فصل: التابع الثاني: المتعة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الثالث‏:‏ في التوابع

وهي ستة‏.‏

التابع الأول‏:‏ تمييز الفسخ بطلاق أو بغيره‏:‏

وفي الكتاب‏:‏ أكثر الرواة يقولون‏:‏ كل نكاح للولي وأحد الزوجين أو غيرهما إمضاؤه وفسخه، يفسخ بطلقة بائنة، ويتوارثان قبل الفسخ لقبوله للصحة كالمتزوجة بغير إذن وليها، فيطلقها الزوج أو يخالعها قبل الإجازة فينفذ ذلك‏.‏

ويقولون‏:‏ كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه كالشغار ونكاح المريض والمحرم وفاسد الصداق أو عديمه وأدرك قبل البناء، وعقد المرأة على نفسها أو غيرها أو العبد على غيره، يفسخ قبل البناء وبعده بغير طلاق، وكل ما فسخ بعده لهما فساده في عقده ففيه المسمى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المتزوجة بغير ولي‏:‏ ‏(‏فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب‏)‏ وكل ما فسخ قبل البناء فلا صداق فيه، وترده إن قبضته؛ لأن حقيقة الفسخ رد كل واحد من العوضين لصاحبه، قال ابن يونس‏:‏ قال غيره‏:‏ في المخالعة على مال ترده؛ لأن للولي فسخه كالمخالعة يطلع على عيب يوجب الرد، تمضي المخالعة، ويرد المال، قال اللخمي‏:‏ إذا زوج رجل أو امرأة بغير أمرها، وعلم بقرب العقد كان بالخيار بالإجازة، والرد، ويفسخ بغير طلاق لعدم العقد ولم يجد خلافا‏.‏

قال ابن القاسم‏:‏ والرد بالعيب طلاق، وقال الأبهري‏:‏ ترد المجنونة والمجذومة بغير طلاق، كقول ‏(‏ش‏)‏ في العيوب، قال‏:‏ وعلى هذا إذا كان العيب بالزوج يكون بغير طلاق، وإنما زاد الوكيل على ما قاله الموكل من الصداق ولم يرض، قال ابن القاسم‏:‏ يفسخ بطلاق، وقال غيره‏:‏ بغير طلاق، قال الأبهري‏:‏ نكاح العبد يفسخ بغير طلاق‏.‏

وإذا كان الفساد في العقد قيل‏:‏ فيه صداق المثل استيفاء المنفعة بغير عقد شرعي، وفي الجواهر‏:‏ آخر قول ابن القاسم لرواية بلغته عن مالك‏:‏ أن ما نصه الله تعالى على منعه أو رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يختلف فيه يفسخ بغير طلاق، وكل ما اختلف الناس في إجازته ورده فسخ بطلاق؛ لقبوله الصحة على قول، وقاله في الكتاب وزاد إن طلق قبل الفسخ لا يلزم، ولا يتوارثان‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ وضابط ما يفسخ قبل البناء فقط‏:‏ أن النكاح إن اتفق على فساده والمنع من الإقامة عليه فسخ قبل وبعد، وإلا فالخلل إن كان في العقد فسخ قبل، وفي فسخه بعد خلاف كنكاح المحرم والمريض أو في الصداق فثلاثة أقوال‏:‏ قبل، وبعد، ولا يفسخ مطلقا، والمشهور‏:‏ قبل فقط‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ الذي يفسخ مطلقا يصح فيه اللعان، ولحوق النسب فيه دون الظهار، إلا أن يريد‏:‏ إن تزوجتك؛ لعدم الزوجية، ويلزم الإيلاء إن تزوجها كالأجنبية‏.‏

تمهيد‏:‏ للشرع في هذا الفصل مطلوبان‏:‏ إبطال العقد المنهي عنه لما تضمنه من الفساد، فلذلك أمر بالفسخ، والحل للزوج الثاني، ولذلك شرع في الفسخ الطلاق ليحصل اليقين بالحل فحيث يمكن الفساد إما بتنصيص الشارع أو بالمنع من اختيار الإمضاء أو بالإجماع ظهر ليحل الثاني بدون الطلاق، فلا يشرع الطلاق لئلا ينقص الملك بغير فائدة، وحيث لم يتمكن الفساد لوجود الخلاف أو التمكن من الإمضاء تعين الاحتياط ليحل لوجود أمارة قبول العقد للصحة، فلا يضر نقصان الملك؛ لأن الزوج أدخل ذلك على نفسه مع أن الاحتياط للإبضاع أولى من الأملاك، وكذلك تخصيص الفسخ قبل الدخول نظرا لخفة الفساد فتأكد الصحة بالدخول لأجل الاطلاع على العورتين، وذهاب الحرمتين، وارتفاع الجنابتين من جهة الزوجين‏.‏

التابع الثاني‏:‏ المتعة‏.‏

وهي - عندنا - مستحبة، وقال الأئمة بوجوبها لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومتعوهن‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين‏)‏، وظاهر الأمر الوجوب، ولأنها بدل عن نصف الصداق في غير المفروض لها، والصداق واجب فتجب، والجواب على الأول‏:‏ أن قوله تعالى فيه‏:‏ ‏(‏حقا على المتقين‏)‏ الوجوب؛ لأن الواجب يعم المحسن، وغيره فلما خصصها دل على أنها من باب الإحسان، وهو الجواب عن الثاني، ويرد عليهما تمسك بالمفهوم، وخصومنا تمسكوا بالمنطوق، وهو مقدم على المفهوم إجماعا، وعن الثالث‏:‏ لا نسلم أنها بدل عن الصداق، بل معروف مستأنف سلمناه لكن وجوب النصف دون انتفاع على خلاف الأصل فلا تكثر مخالفته‏.‏

تفريع‏:‏

في الجواهر‏:‏ هي لكل امرأة اختار الزوج طلاقها ولا خيار لها فيه؛ لأن المختارة لا تحتاج جبرا وليست للمطلقة قبل الدخول، وقد فرض لها لمجبرها بنصف الصداق، ولا لمن كان الطلاق بسببها كالمختلعة والملاعنة؛ لأنه مضاف إليها فلا تجبر منه في الفراق جبرا؛ لأنه من جهة الشرع، وإنما يجبر الزوج ما كان من جهته، ولا للمجبرة إذا اختارت؛ لأنها غير منكسرة، وروي لها المتعة؛ لأن ابتداءه من الزوج، ولا للرجعية وإن ارتجعت؛ لأن الرجعة أتم من المتعة، وإلا فلها، قال فضل بن سلمة‏:‏ ومقتضاه‏:‏ لأنها لا تمتع حتى تنقضي العدة، ولو كانت بانيا فرد بها فلها المتعة؛ لأنها استحقتها قبل الرد، واستقر للخمي نفيها‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ مقدارها موكول إلى اختياره لعدم الوجوب، ويستحب تقديرها بعسره، ويسره لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏على الموسع قدره وعلى المقتر قدره‏)‏، وفي ‏(‏الكتاب‏)‏‏:‏ على العبد المتعة دون النفقة، ولو خلا بها واختلفا في المسيس، وقد طلقها صدقت في الصداق دون المتعة، والصغيرة، والأمة، والذمية لهن المتعة‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب التلخيص‏:‏ واختلف في المطلقة قبل الدخول ولم يسم لها، والتي طلقت بعد الدخول، وقد سمى لها أم لا، أيهما آكد‏؟‏ ثلاثة أقوال‏:‏ قال مالك‏:‏ هما في عدم الوجوب سواء، وقيل‏:‏ سواء في الوجوب، وقيل‏:‏ يختص الوجوب في التي لم يدخل بها ولم يسم لها؛ لأنها مورد النص، نقله هكذا بصيغة الوجوب‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن بانت فهل تجب للورثة كسائر الحقوق‏؟‏ وقيل‏:‏ لا؛ لفوات إزالة ألم الطلاق‏.‏

التابع الثالث‏:‏ الوليمة

والمهر قال صاحب الاستذكار‏:‏ الوليمة في اللغة طعام العرس والإملاك‏.‏

والإعذار‏:‏ طعام الختان، والنقيعة‏:‏ طعام القادم من السفر، والخرس‏:‏ طعام النفاس، والمأدبة‏:‏ طعام الدعوة، والوكيرة‏:‏ بناء الدار، وقال غيره‏:‏ والعقيقة لأجل الولد، والحذاق‏:‏ طعام الصبي عند حذاق القرآن جهده‏.‏

ثمانية أسماء للأطعمة في اللغة، وأصلها ما في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن أثر صفرة فقال‏:‏ ‏(‏ما هذا‏؟‏، قال يا رسول الله، إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال‏:‏ بارك الله لك، أولم ولو بشاة‏)‏، قال صاحب القبس‏:‏ وهي أقلها مع القدرة، وإلا فبحسب الاستطاعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بالخبز، والتمر، والأقط‏.‏

قال صاحب المنتقى‏:‏ وهي يوم واحد؛ لأن الزيادة سرف، وقال ابن حبيب‏:‏‏:‏ يولم ذو القدرة ثمانية أيام لما فيه من إظهار النكاح، والتوسعة على الناس، ويكره أن يقول‏:‏ يتكرر على طعامي ثمانية أيام؛ لأنه مباهاة، وقال ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ تشرع أكثر من يوم، وتجب الإجابة للأول، وتستحب للثاني دون الثالث، وفي الجواهر‏:‏ يجعلها بعد البناء، قال اللخمي‏:‏ هي قبله وبعده واسع، فقد أولم علي صفية بعد البناء‏.‏

وإتيانها واجب خيفة العداوة، وأن لا يهدون إن لم يحضرها من يشهد النكاح به، ومباح إن حضرها، وخالفه صاحب الجواهر، قال‏:‏

ويجب إتيانها على من دعي إليها عند مالك، والأئمة، وأكثر العلماء؛ لما في مسلم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها‏)‏ وصفة ما تجب الإجابة أن يعين الرجل الدعوة، فإن قال للرسول‏:‏ ادع من تحب، لم تجب لعدم التعيين، وهل يجب الأكل، قال أبو الوليد‏:‏ لم أر لأصحابنا فيه نصا، ومسائل المذهب على القولين، وتقدم الوجوب، قال ابن حنبل‏:‏ لقوله في الصحيح‏:‏ ‏(‏إذا دعي أحدكم فليجب، فإن شاء أكل، وإن شاء ترك‏)‏ قال القاضي أبو الحسن‏:‏ مذهبنا استحباب الإجابة، قال‏:‏ ولا يحضر ذو الهيئة موضع اللهو، ويرجع المدعو إن وجد المنكر؛ لأن التحريم يقدم على الإيجاب؛ لأن المفاسد مقدمة الدفع على المصالح، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏، وابن حنبل‏:‏ يجب الحضور مع المنكر، وينهى عنه إن استطاع فيطيع الله طاعتين، وإلا سقط عنه الخطاب به، ولأن الحق لا يترك لأجل الباطل، قال أبو الحسن‏:‏ ويلحق بالمنكر فرش الحرير أو تأذ بحضور السفلة، أو الزحام، أو غلق الباب دونه، أو على جدار الدار صور، أو ساتر، ولا بأس بصور الأشجار، واللعب، واللهو الخفيف، قال صاحب البيان‏:‏ اتفق أهل العلم على الدف، وهو الغربال في الوليمة، والعرس، وفي الكبر، والمزهر‏:‏ ثلاثة أقوال، قال ابن حبيب‏:‏ هما كالغربال، ومنع أصبغ، والجواز لابن القاسم في الكبر دون المزهر، ولابن كنانة إجازة البوق والزمارة التي لا تلهي في العرس، واختلف في جواز ما أجيز من ذلك فالمشهور هو‏:‏ إباحة، وقيل‏:‏ كراهة، وقيل‏:‏ يعم الجواز الرجال، والنساء، وهو المشهور، وخصصه أصبغ بالنساء، قال ابن القاسم‏:‏

ويستحب الرجز الخفيف كقول جواري الأنصار‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏

أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم قال‏:‏ ولا يعجبني التصفيق، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا ثلاثا‏:‏ ملاعبة الرجل امرأته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه‏)‏، وفي التنبيهات‏:‏ الدف - بضم الدال - هو المدور بوجه واحد، وهو الغربال، والمربع من الوجهين هو المزهر، وليس بعربي، والمزهر عند العرب عود الغنا‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لا تترك الإجابة لأجل الصوم، بل يترك الأكل‏.‏

فرع‏:‏

ويكره نثر السكر واللوز وشبهه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل، خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏؛ لأنه يقع نهبا، وفي البخاري، قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تحل النهبة، والمثلة‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ كره مالك لأهل الفضائل إتيان طعام غير العرس، قال‏:‏ وأراد إن كان المدعو قريبا أو صديقا أو جارا كان العرس وغيره سواء، وإلا كره غير العرس لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الغني دون الفقير‏)‏، وإذا أتى الرجل العظيم فلا بأس بعدم الأكل؛ لأن المقصود منه الشريف إلا أن يخشى الوحشة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فليأت، وإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل، أي‏:‏ يدع‏)‏‏.‏

التابع الرابع‏:‏ القسم بين النساء

وفيه خمسة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ فيمن يستحق القسم

قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل‏)‏، وقال تعالى‏:‏ ‏(‏وعاشروهن بالمعروف‏)‏، وفي الترمذي، قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة، وشقه ساقط‏)‏‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ من له امرأة واحدة لا يجب عليه المبيت عندها، ويستحب لتحصينها، وقال ابن حنبل‏:‏ يجب لها في كل أربع ليال ليلة؛ لأنه لو كان له أربع نسوة كان لها ذلك، والفرق‏:‏ أن ضرر إتيان الضرة منفي هاهنا، ولو كان له أربع، وترك الجميع جاز، ولا يجب القسم بين السراري لعدم حقهن في الوطء، ولا بينهن وبين الزوجات، والأولى كف الأذى، ويجب العدل بين الزوجات إجماعا، وتستحقه المريضة، والرتقاء، والنفساء، والحائض، والمحرمة، والمولى عنها، والمظاهرة، وكل من لها عذر شرعي أو طبعي بحصول الاثنين، وقاله في الكتاب‏:‏ وقاله الأئمة، ولا تجب المباشرة، ولا جمع أن ينشط في يوم واحدة دون الأخرى إلا أن يقصد الضرر عنها ليس في لغيرها، وفي البخاري‏:‏ ‏(‏كان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول‏:‏ اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك‏)‏، قال أبو الطاهر‏:‏ الإتيان على أربعة أقسام‏:‏ جائز، وهو ميل القلب والمحسنة، وإنشاط إلى الحمل؛ لأنه لا يملك، وكذلك بما يجب لها لارتفاع منزلتها، وتفضيلها بالمقدار الواجب بزيادة نفقة على الأخرى بما لا تستحقه مع توفية الأخرى نفقتها فيه قولان‏:‏ الجواز؛ لأنه لم يجر، والمنع؛ لأنه ميل بما يملكه، والأذية للأخرى، والرابع‏:‏ تنقيص إحداهما بما يجب لها أو بترك الجماع قصدا، ويترك للأخرى، وهو ممنوع إجماعا، وفي الجواهر‏:‏ يجب القسم على كل زوج مكلف، وعلى ولي المجنون أن يطوف به، وقاله الأئمة لتحصيل الأنس، وفي الكتاب‏:‏ إذا كان المريض يقدر على القسم وجب أن لا يجد لإقامته ما لم يكن كما أقام صلى الله عليه وسلم عند عائشة -رضي الله عنها - في مرضه، قال اللخمي‏:‏ وقيل‏:‏ إذا غلب المرض واحداهن تصلح لتمريضه دون غيرها تعينت، وإن تساوين فبالقرعة إلا أن يرضين لما في أبي داود‏:‏ ‏(‏بعث صلى الله عليه وسلم إلى نسائه في المرض فاجتمعن، فقال‏:‏ إني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة - رضي الله عنها - إن فعلتن فأذن له‏)‏، والمشهور‏:‏ يروى أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تطييبا لقلوبهن لا أنه واجب عليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا سافرت إحداهن مدة لم تحاسبه ويبتدئ القسم؛ لأنها أسقطت حقوقها، وإذا أقام عند إحداهن مدة عن ذلك ولم تحاسبه؛ لأن المقصود من القسم دفع الضرر الحاضر وتحصين المرأة، وهو يفوت بفوات زمانه، وكالعبد المعتق بعضه لا يحاسبه بهذا الإباق، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يجب القضاء فيما ظلم فيه كسائر الحقوق، والفرق‏:‏ أن الحقوق إنما وجب دفعها بعد زمان لحصول مصلحتها بعد زمانها، وهاهنا تفوت المصلحة لفوات الزمان فلا مضي للقضاء، وفي الجواهر‏:‏ استقرأ اللخمي القضاء إذا أقام عند غيرها أكثر من نوبتها من قوله في السليمانية‏:‏ إذا أقام عند إحداهن شهرين وهن أربع، وحلف أن لا يطأها ستة أشهر حتى يوفي الباقيات ليس بمول؛ لأنه قصد العدل، قال أبو الطاهر‏:‏ يحتمل أن يكون مراده الاستئناف دون المحاسبة فلا يكون موليا؛ لأنه لا يقصد الضرر، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أغلقن الباب دونه ضررا له فله الذهاب إلى الأخرى، وإن قدر على المبيت في حجرتها فعل؛ لأنها وإن ظلمته فلم تسقط حقها، قال أبو الطاهر‏:‏ إن كان ظالما عليها لم يذهب بغيرها، وإن كانت ظالمة ذهب، قال ابن يونس‏:‏ ولها أن يشرب ويتوضأ من بيتها في غير يومها، ويأكل من طعام يبعث به إليها من غير تعمل ميل، وقال لا يأتي في يومها إلا لحاجة أو عيادة، وله جعل ثيابه عند إحداهما ما لم يرد ضررا أو ميلا‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا قدم من سفره نهارا أقامه عند أيهما شاء، ولا يحسبه، ويأتنف القسم؛ لأن المقصود الليل فقد ذهب، قال‏:‏ وأحب أن ينزل عند التي خرج من عندها، وقاله مالك وأصحابه، وإذا كانت ذات قدر جازت المفاضلة في النفقة، والأحسن التسوية فقد كان لمعاذ بن جبل امرأتان يمتنع من شرب الماء من عندهما، وإنهما ماتتا فلم يدفنهما إلا بالقرعة‏.‏

فرع‏:‏

إذا رضيت بذاك أيامها وآثرت بها غيرها على أن لا يطلقها، جاز؛ لما في مسلم‏:‏ ‏(‏أن سودة لما كبرت جعلت يومها منه صلى الله عليه وسلم لعائشة - رضي الله عنها - فكان صلى الله عليه وسلم يقسم لها يومين، ولها الرجوع متى شاءت فيما ذهبت، وقاله الأئمة‏.‏

قاعدة‏:‏ كل حق تعين سببه نفذ التصرف فيه، ولو فقد شرطه، كدفع الزكاة قبل الحول لتحقق السبب الذي هو النصاب، وإن فقد الشرط الذي هو الحول، والعفو عن القصاص، والدية قبل الموت، والتكفير قبل الحنث، وغير ذلك، وهاهنا تحقق سبب استحقاق القسم، وهو العصمة، فينبغي أن ينفذ التصرف فيشكل أن لها الرجوع، والذي يمكن أن يقال‏:‏ إن التصرفات تنقسم إلى النقل‏:‏ كالهبة، والبيع، والإسقاط‏:‏ كالعتق، والطلاق، فإن العبد إذا لم يملك نفسه بعد العتق لم ينتقل إليه ما كان للسيد، بل سقط، وكذلك الزوج فقلنا إن يجعل هذا من باب النقل بالهبة، والهبة إذا لم يتصل بها قبض لا تتم، وإن كان سبب ملكه متحققا، أما لو جعلناه من باب الإسقاط فلا يتأتى الرجوع لما تقدم من القاعدة في إسقاط الدين وغيره، ويرد عليه أنه بالإسقاط أشبه؛ لأن الزوج لا يملك المطالبة بأن يوطئ كما كان ذلك للمرأة، وأما إن دفعته لضرتها فليس إسقاطا؛ لأنه لم يترتب على الضرة حتى يسقط بالهبة لكن الهبة إذا كانت بشرط تجري مجرى المعاوضة تتم بمجرد العقد، ولو سلم أن الشرط لا أنزله لكن الواهب لا يتمكن من الرجوع في الهبة، بل للموهوب له المطالبة والإلزام بالتسليم إذا أعرض الموهوب مع القدرة سقط حقه، وهاهنا لم تتمكن الضرة من استيفاء الموهوب لكونه في المستقبل فلا تستوفي إلا منه‏.‏

فرع‏:‏

قال في الجواهر‏:‏ لا يلزمه قبول الهبة؛ لأن له حقا في الاستمتاع بالواهبة، فإن قيل‏:‏ ليس للموهوبة الامتناع وإن وهبت من الزوج نفسه فله تخصيص بعضهن بالموهوب قياسا على ماله بالأصالة‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في زمان القسم

وفي الكتاب‏:‏ يوم بيوم لا أكثر، ويعدل في المبيت، وقاله ابن حنبل، وقال ‏(‏ش‏)‏، و‏(‏ح‏)‏‏:‏ أقله ليلة، ويجوز إلى ثلاثة أيام لسرتها في البيت للعروس؛ لما في أبي داود‏:‏ ‏(‏كان صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم في مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها‏)‏‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ له البداية بالليل أو بالنهار، وإنما عليه أن يكمل يوما وليلة، قال أبو الوليد‏:‏ وأظهر أقوال أصحابنا البداية بالليل؛ لأنه السابق على النهار في اللغة المشهورة، ولا يزيد على الليلة إلا برضاهن، ورضاه أو يكن في بلاد متباعدة فيقسم الجمعة، والشهر على حسب الإمكان، ولا ينصص الليلة، قال اللخمي‏:‏ وأجاز ابن القصار أن يسبع بغير رضاهن اعتبارا بالبكر العروس‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ اختلف في بيعها اليوم وشبهه، فجوزه مالك في الليلة، وكره غيرها، وحرمه ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل؛ لأنه عقد على جور، ولأن الاستمتاع لا يقابل بالعوض، وفي نظر الشرع إلا في عقد النكاح أما أياما معلومة فلا، قال صاحب البيان‏:‏ شراء المرأة ليلة واحدة لصاحبتها أشد كراهة من شراء الرجل ذلك منها؛ لأن المرأة قد يحصل مقصودها من الوطء تلك الليلة وقد يتعذر، والرجل متمكن من الاستمتاع، والمرأة الطويلة، فيكره منهما لكثرة الغرر، قال اللخمي‏:‏ وإن أذنت له أن يطأ الأخرى في نوبتها، جاز وليس للأمة إسقاط يومها إلا بإذن سيدها لحقه في الولد إلا أن يكون غير بالغ، أو هي حامل فيسقط حقها زمن الحمل‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في مقام القسم

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ ليس له جمعهن في بيت واحد إلا برضاهن، ولا في فراش وإن رضين؛ لما فيه من قلة المروءة، وكرهه في الإماء، أو أن يتعرين بغير ثياب، وأن يطأ وفي البيت معه من يسمع حسه، ولو كان الصبي نائما، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يخرج الصبي من المهد، والبهيمة، قال عبد الملك‏:‏ وله في أمتيه أن ينام معهما دون وطء، قال مالك‏:‏ وليأتهن ولا يأتينه؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك إلا أن يرضين، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ عليهن أن يأتينه لتوفيته حقه، قال ابن عبد الحكم‏:‏ يقضى عليه بالذهاب وبالتفريق في المساكن، قال اللخمي‏:‏ منع مالك جمع الحرتين من غير وطء، وكرهه عبد الملك، وفي الإماء ثلاثة أقوال‏:‏ المنع لمالك، والكراهة لغيره، والإباحة لابن حبيب، ولا فرق بين الحرائر والإماء فيما يتعلق بحق الله تعالى، بل بحقهما، فإن رضيا جاز، والمنع أصوب؛ لأنه يؤدي إلى وطء إحداهما بحضرة الأخرى‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في التفاضل

وله أسباب‏:‏

السبب الأول‏:‏ تجدد النكاح، وفي الكتاب‏:‏ إذا نكح بكرا أقام عندها سبعا، أو ثيبا فثلاثا؛ لما في أبي داود‏:‏ ‏(‏أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا، وقال‏:‏ ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي، وإن شئت ثلاثة ثم درت‏)‏، وقال أنس في ‏(‏الصحيح‏)‏ من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم‏.‏

فائدة‏:‏ قال صاحب المفهم والإكمال‏:‏ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس بك على أهلك هوان‏)‏ المراد بالأهل‏:‏ هو صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل واحد من الزوجين أهل لصاحبه، ومعناه‏:‏ لا أفعل بك فعلا يدل على هوانك عندي، قال ابن القاسم في الكتاب‏:‏ وهو حق لها وليس للزوج، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أضافه لها المقتضية لملك، ويأتنف القسم، وروى أشهب‏:‏ حق المزوج ليتمتع، قال أشهب‏:‏ لا يقضى به عليه كالمتعة، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يقضى به كسائر الحقوق، ووافقنا الشافعي، وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يفضل الجديدة بشيء؛ لأن القديمة أولى بالتأنيس؛ لأنه أضرها بالجديدة، ولأنها أتم حرمة لسابق محبتها، ويقال لذلك‏:‏ لكل جديد لذة، ولكل قديم حرمة، والمراد بالجديد‏:‏ التفضيل بالبداية دون الزيادة، ولما كانت الثيب مباشرة للرجال مستوحشة منه خاصة، اكتفي بالثلاث، والبكر مستوحشة مطلقا استحب سبعا، قال محمد‏:‏ ويبتدئ القسم بالتي كان عندها أو بغيرها، وقاله مالك في القادم من السفر بإحداهن، فإن لم يكن له غيرها لم تلزمه الإقامة بكرا كانت أو ثيبا، وفي الجواهر‏:‏ فيه خلاف، ونقل قولان بأن الإقامة حق لها، وفي وجوب الإقامة والاستحباب قولان‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ ولا يتخلف العروس عن الجمعة والجماعات، وقيل‏:‏ يتخلف عن الجماعات دون الجمعة؛ لأنها فرض، قال اللخمي‏:‏ والعادة اليوم‏:‏ عدم الخروج للصلاة، والحاجات، وأرى التزام العادة؛ لأن على المرأة معرة في ذلك عند النساء‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع بينهما، وعلى أحد قولي مالك‏:‏ إن ذلك حق له يتخير، وإذا انقضت أيام البناء، أو صح المريض، أو قدم المسافر هل يبتدئ بغير من كان عندها أو يتخير أو يقرع بين من عزلها‏؟‏ ثلاثة أقوال، أو يقرع بين من عزلها، ثلاثة أقوال، قال‏:‏ وأرى أن يبتدئ بغيرها ثم بالتي كان لها الحق قبل البناء أو المرض أو السفر، ثم يكون عند من كان عندها‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ تستوي في الإقامة الحرة والأمة، قال أبو الوليد‏:‏ والصحيح‏:‏ القضاء بالإقامة‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لو التمست الثيب الزيادة منعت لحق غيرها، وقال القاضي أبو الحسن‏:‏ يكمل لها سبعا إن اختارت، ويقضي للنساء سبعا للحديث المتقدم؛ لأن اختيارها للسبع يبطل حقها من الثلاث‏.‏

السبب الثاني‏:‏ الحرية، وفي الكتاب‏:‏ المسلمات، والكتابات، والحرائر، والإماء سواء في القسم لاستوائهن في الطباع، وفي الجواهر‏:‏ روي للأمة ليلة، وللحرة ليلتان، وقاله الأئمة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏للحرة ثلاثا القسم‏)‏، قال‏:‏ ورجع إليه مالك؛ لأنها حقيرة عند نفسها، فلا تجد من الألم ما تجده، فالأمة تجد من الألم ما لا تجده الحرة، ويؤيده خيار الحرة إذا تزوج عليها أمة، وإذا فرعنا عليه فبدأ بالحرة فعتقت الأمة قبل انقضاء ليلتها أكمل ليلتين، أو بعد انقضائها لم يزدها وسوى بعد ذلك، وإن بدأ بها فعتقت قبل تمام نوبتها صارت كالحرة الأصلية، أو بعدها وفيت الحرة ليلتين؛ لأنه تمام حكم وقع في الرق، ثم سوى بعد ذلك، قال أبو الطاهر‏:‏ إذا كان الزوج عبدا فالمذهب كله على التسوية إلا عبد الملك لرضا الحرة بمساواة الرقيق زوجا‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في السفر بهن

في الكتاب‏:‏ إذا سافر لحج أو غزو أو حاجة سافر بأيتهن شاء بغير قرعة إن كان غير ضرر ولا ميل، فإن كانت القرعة ففي الغزو لما في مسلم كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد يخرج في سفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه‏)‏، وكان صلى الله عليه وسلم إنما يسافر للحج، ولأن حقهن يسقط بالسفر فله أن يسافر ويتركهن، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ لا بد من القرعة في كل سفر للحديث المتقدم، قال‏:‏ وإذا قدم ابتدأ ولا يقاص التي معه، قال ابن يونس‏:‏ وروي القرعة في السفر كله، والفرق للمشهور‏:‏ أن المشاحة تعظم في سفر القربات، وقال عبد الوهاب‏:‏ إذا كان فيهن من لا تصلح للسفر وفيهن من تصلح سافر بها من غير قرعة، وإنما القرعة في الحج، والغزو حيث التساوي، وفي الجواهر‏:‏ ترك القرعة مطلقا اختيار ابن القاسم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ له المسافرة بها وإن كرهت، وإن قالت‏:‏ حتى آخذ صداقي، وقد بنى بها فله الخروج، وتتبعه به، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ وينظر إلى صلاحه وإحسانه إليها ولا يمكن من ضررها‏.‏

التابع الخامس‏:‏ النفقة وأسبابها‏:‏ النكاح، والقرابة، والملك

السبب الأول‏:‏ النكاح، وفي الجواهر‏:‏ هو موجب بشرط التمكن، وبلوغ الزوج، وإطاقة المرأة الوطء؛ لأن الذي عقد له الزوج لا يحصل منها البلوغ، والمقصود منها التمكين، وهو حاصل دون البلوغ، وقيل‏:‏ تلزمه النفقة والدخول إذا بلغ الوطء قياسا عليها‏.‏

قال الأبهري‏:‏ إذا دعوه للدخول فعليه النفقة، أو النفقة دون الدخول فلا، وكذلك إن مرضت فعرضوها؛ لأن الامتناع من جهته، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ في الصغيرة التي لا توطأ، وخالفنا ‏(‏ش‏)‏‏.‏

وأصل وجوبها‏:‏ ما في البخاري، قالت له صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة‏:‏ يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل ممسك وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏)‏، وفيه فصول‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في أنواع الواجب

وهي ستة‏:‏

النوع الأول‏:‏ الطعام، وفي الجواهر‏:‏ يختلف باختلاف أحوال الزوجات، والإنكاح، والبلاد، وعسر الزوج، ويسره؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله‏)‏، قال ابن القاسم‏:‏ رب رجل ضعيف وسعر غال، فالوسط من الشبع، وقال مالك‏:‏ المد، وقدره غيره مدا وثلثا، وقال ابن القاسم‏:‏ في الشهر ونصف إلى ثلاث، قال ابن حبيب‏:‏ والوتيد اثنان وعشرون مدا بمده صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ وأرى بالقرطبي في الشهر وسطا، وهو أربعة وأربعون مدا، قال محمد‏:‏ قول ابن القاسم ليس عاما، وقد تكفي الويبتان في بعض الناس، قال‏:‏ ومد مروان وسط الشبع في الأمصار، وهو مد وثلث، ومده صلى الله عليه وسلم وسط بالمدينة، ويفرض البر، والشعير، والذرة، والتمر ونحوه، على عادة قوة الزوجين، وتقدم الطعام بالكيل، قاله ‏(‏ش‏)‏، وقدر مدا للمعسر، ومدين للموسر، ومدا ونصفا للمتوسط، وقال‏:‏ لا يلزمها الأكل معه كقولنا، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا تمكنت من الأكل من مائدته ليس لها مطالبته، ولا يفرض لها شيء، وإلا فرض لها كفايتها فوق التقتير، ودون السرف‏.‏

سؤال‏:‏ تقدير الحب بالكيل مشكل لأمور‏:‏ أحدها‏:‏ أنه لم يعهد في السلف أنهم كانوا يصرفون لنسائهم الحب، بل ما جرت العادة به من خبز وغيره، وثانيها‏:‏ أنه يلزم أن يموت الإنسان ونفقة امرأته في ذمته؛ لأن المعاوضة - عليه السلام - بماله، وثالثها‏:‏ لم يسمع عن أحد من السلف أنه عاوض امرأته، ولا أوصى عند موته بالنفقة، ولا حكم بها حاكم‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الإدام، وفي الجواهر‏:‏ وهو ما يناسبهما، ويفرض الخل والزيت للأكل، والوقيد، والحطب، واللحم في بعض الأيام، والماء للشرب والغسل، قال محمد‏:‏ ويجمع ثمن ذلك كله مع القمح، وقاله ‏(‏ش‏)‏، و‏(‏ح‏)‏، ولكن المعتبر عند ‏(‏ح‏)‏ في جميع النفقة حال الزوج دونها، قال محمد‏:‏ ولا يفرض العسل، ولا التمر، ولا الحالوم، قال عبد الملك‏:‏ ولا القطنية، ولا فاكهة خضراء، ولا يابسة، بل ما لا غنى عنه بقدر الرجل والمرأة‏.‏

ويفرض مشط رأسها ودهنه، وقاله الأئمة، وإذا كان الإعسار بينا فلا أقل مما يعيش به كويتين بمصر وطبخهما، وخبزهما، ودريهمات لزيت وماء وحطب، والطبخة بعد الطبخة، وما لا بد منه، قال مالك‏:‏ ويزاد للمرضع ما يقويها على الرضاع‏.‏

النوع الثالث‏:‏ نفقة الخادم، وقاله الأئمة لذات القدر عنه، وفي الجواهر‏:‏ ليس عليها خدمة بيتها ولا غزل ولا غيره، وغير ذات القدر ليس عليه إخدامها أو عليها خدمة مثلها، فالشريفة بالأمر والنهي والدنية مباشرة لفعل، فإن كانت العادة استقاء الماء فعليها؛ لأن العوائد كالشروط، وحيث أوجبنا عليه الخادم فليس عليه شراؤها، بل يكفيه استئجارها‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو أراد إبدال خادمها المألوفة منع نفيا للضرر، ولزمه الإنفاق عليها‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو كانت هي وهو بحيث يخدمها خادمان فأكثر، قال ابن القاسم‏:‏ يفرض نفقة خادم واحدة، وقال أيضا يعطي زكاة الفطر عن خادمين من خدم امرأته، إن كانت ذات قدر لا تكفيها واحدة، قال أصبغ‏:‏ لو كانت بنت ملك لزيدت إلى الخمسين، قال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ إنما يكون ما قال أصبغ إذا طالبها بما تكثر الخدمة فيه من أحوال الملوك، وأما المقصد فخادم واحدة؛ لأنها كفاية حاله‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو كان لها خادم خيرت بين استخدامها ومطالبته بنفقتها، وبين مطالبته بخادم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ للسلطان ضم نفقة الولد مع نفقة الأم إلا إن تضربه لفقرة فينفق على ولده لحدثه، فإن عجز سقط حق الولد بالعجز‏.‏

النوع الرابع‏:‏ الكسوة، وفي الجواهر‏:‏ ما يناسب حاله وحالها، وقال بعضهم‏:‏ قميص ووقاية على قدرهما في الجودة والدناءة، وتزاد في الشتاء ما يدفع البرد، وقال ابن القاسم‏:‏ عليه ما يصلح في الشتاء والصيف من قميص، وجبة، وخمار، ومقنعة، ووسادة، وإزار، وشبهه مما لا غنى عنه، والسرير عند الحاجة من العقارب، والبراغيث، وإن كان مثلها يكسى القطن ومثله قادر عليه فرض، قال أشهب‏:‏ ومنهم من لو كساها الصوف أنصف، وأخرى لو كساها الصوف أدب، قال مالك‏:‏ ولا يلزمه الحرير ولو كان يسعه الحال، وأجراه ابن القاسم على ظاهره لعدم الضرورة إليه، والواجب إنما يتعلق بما لا بد منه، وتأوله القاضي أبو الحسن فحمله على المدنية، وألزمه في غيرها؛ لأن كل ما هو محتاج إليه أو ضروري فرض، وما لا فلا وكل ما يختص بالأغنياء وضرره خاص بهم فيه، فقولان مبنيان على أنه ضرر أم لا، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ خمار، وقميص، وسروال، ومكعب فيه، ولا يجب الخف في الصيف، ومثله في الشتاء مع جبة، وملحفة، وشعار، ومضربة، ومخدة، ولبد، وحصير، والماعون، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الكسوة على العادة الوسط، والمعتبر حاله دون حالها، ويفرض مرتين في السنة، ولا تستحق الخف؛ لأنها مأمورة بالقرار في بيتها، وتستحق المكعب للتصرف في المنزل‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إذا كانت كسوتها من صداقها باقية لقرب عهد البناء فليس عليه كسوة، وله الاستمتاع به؛ لأنه العادة في بذل الصداق وإن طال الأمد، واختلفت الكسوة، أو كانت غير الصداق لقلته فعليه الكسوة، قال صاحب التلخيص‏:‏ إذا كان عندها شوار أو شيء منه لا تجب الكسوة ولم يفصل، ولم يحك خلافا‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ يجدد ما أخلق من الكسوة‏.‏

فرع‏:‏

ولا يلزمه الكحل، والحناء، والصباغ، وقال محمد‏:‏ عليه حناء رأسها، قال أبو الوليد ليس عليه من زينتها إلا ما يتضرر بتركه، كالكحل، والمشط، والدهن لمن اعتاد ذلك؛ لأن تركه مع العادة يفسد الشعر بخلاف الخضاب، وغيره‏.‏

النوع الخامس‏:‏ آلة التنظيف، في الجواهر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ ليس عليه مشط، ولا مكحلة، قال أبو الوليد‏:‏ إنما أسقط المكحلة دون الكحل، وعلى هذا يلزمه ما تمشط دون الآلة، وأوجبها ‏(‏ش‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال مالك‏:‏ ولا تستحق الدواء للمرض، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لأنه ليس من مصالحه، ولا أجرة الحجامة، وعليه أجرة القابلة؛ لأنه سبب الحمل عند أصبغ مطلقا، ووافقه محمد إن كانت المنفعة للولد أو لها فعليها أو لهما فعليهما، قال أبو الوليد، والأظهر قول أصبغ‏.‏

النوع السادس‏:‏ ‏[‏الإسكان‏]‏

في الجواهر‏:‏ عليه إسكانها ما يليق بها إما بعارية، أو إجارة، أو ملك، وقاله الأئمة، واعتبر حاله دون حالها‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في كيفية الإنفاق‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ أما الطعام فيجب دفعه، وفي دفع ثمنه خلاف معلل بامتناع بيع الطعام قبل قبضه، أو غير معلل فيمتنع، أو معلل بالعينة فيجوز لعدمها بين الزوجين، ويدفع ثمن ما يطحنه ويصلحه‏.‏

قال صاحب التنبيهات‏:‏ تردد بعض الشيوخ في دفع الثمن عن الجميع ومنعه، وقال‏:‏ هما سواء، ولا يجبر على دفع ثمن، وله دفعه إلا إن يمتنع من أخذ غير ما فرض لمشقة الشراء‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ لا يكلفها الأكل معه، وقاله ‏(‏ش‏)‏ قياسا على الصداق، وإن نكلت سقطت نفقتها‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ بلغت وفرض النفقة بالزمان على قدر ملاء الزوج، قال في الكتاب‏:‏ يفرض باليوم، ويزاد بقدر الإشباع، قال اللخمي‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يجوز الفرض سنة، ومنعه سحنون لاحتمال حوالة الأسواق، قال‏:‏ وأرى توسعة المدة مع اليسار؛ لأن الفرض لا يكون إلا مع المقابحة ففي تقليله ضرر عليها، وتفرض الكسوة، والطعام، والوطاء مرتين في الشتاء والصيف‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ لا يقبل قولها في عدم النفقة والكسوة إلا ببينة؛ لأن الأصل بقاؤها، وهي ضامنة عند محمد وابن القاسم، وقيل‏:‏ المصيبة من الزوج قياسا على الصداق الغائب إذا كان عينا، ولأنه لولا كساها بغير حاكم لم يضمن، والقضاء لا يغير الأحكام، قال صاحب التنبيهات‏:‏ وظاهر قوله في نفقة ولدها مثله، فإن قامت ببينة بالهلاك فظاهر الكتاب‏:‏ التضمين في نفقتها دون نفقة الولد؛ لأنها لم تقبضها لنفسها، بل مأخوذة بحق كالرهان، وخرج اللخمي سقوط الضمان عنها في نفسها عند البينة‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إن كساها قبل وقت الفرض، قيل‏:‏ حكم مضى كخطأ الخارص، وقال لا، قال‏:‏ وأرى أن ترجع إلى ما تبين؛ لأن هذا حقيقة، والأول ظن، ولأن الأمد لو انقضى وهي قائمة لا شيء عليه حتى تبلي‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا طلبت النفقة عند سفره‏:‏ فلها خمس حالات‏:‏ إن كانت في العصمة أعطاها نفقة السفر، أو حميلا بها، أو مطلقة طلاقا بائنا أو رجعيا - وهي حامل - فعليه الأقل من بقية الحمل، أو مدة سفره، أو غير حامل بائن فلا نفقة لها، فإن طلبت حميلا خوف الحمل‏:‏ قال مالك‏:‏ ليس لها ذلك؛ لأن الأصل عدمه، وقال أصبغ‏:‏ لها ذلك لوجود مظنته بالوطيء، قال‏:‏ والأول أحسن إن كان قيامها بعد حيضة، وإلا أقام حميلا بأقل مدة الحمل أو السفر، وإن كانت رجعية فعلى قول مالك الأقل من عدة سفره أو انقضاء العدة، وعلى قول أصبغ تراعى على مدة الحمل، وإن اتهم في طول السفر حلف أن لا يقيم أكثر من ذلك أو يقيم حميلا، قال ابن يونس‏:‏ قال أصبغ‏:‏ إن خشي طول سفره وخيض الحمل أقام حميلا أو يوقف، وفي الكتاب‏:‏ وأما الحاضر فلا يطالب بكفيل على النفقة، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وخالفنا فقال‏:‏ لو استدانت ليس لها مطالبتها؛ لأنها ليس لها عليه ولاية الاستدانة إلا أن يفرضها القاضي بولاية القاضي عليه في ذلك وغيره، قال‏:‏ ولا يفرض على الغائب لعدم ولايته على الغائب خلافا لنا في ذلك كله‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يباع على الغائب عرضه في النفقة وربعه إن لم يكن له عين، ومنع ‏(‏ح‏)‏ بيع العرض، قال اللخمي‏:‏ إنما هكذا ينتهي مخطوط خزانة ابن يوسف بمراكش مبتورا

يليه الجزء الخامس، وأوله كتاب البيوع‏:‏

القسم الأول‏:‏ اتحاد العين، والصفة